ليس صحيحا أن جدة غرقت بسبب الأحياء العشوائية التي تحاصرها منذ سنوات، هذا جزء بسيط من الحقيقة، لأن بعض الأحياء التي غرقت ليست أحياءً عشوائية، بل تم بناء منازلها بقروض من صندوق التنمية العقارية، وحتى لو سلمنا بفرضية أن الأحياء العشوائية هي السبب في كارثة الأربعاء، فإن وجود هذه الأحياء كان بسبب 'مافيا العقار' في جدة التي استحوذت- بشكل أو بآخر- على الأراضي الصالحة للسكن في شمال المدينة حتى أصبح الحصول على مسكن خارج الأحياء العشوائية أمراً بعيد المنال بالنسبة لمحدودي الدخل.
الحقيقة المرة التي اعترف بها أمين مدينة جدة أن أكثر من 70% من أحياء المدينة دون شبكة صرف صحي، قد يصعب تصديق حدوث هذا الأمر في واحدة من أهم مدن الشرق الأوسط والعاصمة الاقتصادية والسياحية لدولة ضمن قائمة مجموعة العشرين، ولكن هذه هي الحقيقة!؟
مما يؤكد، تعرض المليارات التي خصصتها الدولة لمشاريع البنية التحتية في جدة إلى عمليات نهب عشوائية ومتكررة، وعلى الرغم من المحاولات المتواصلة لإنقاذ المدينة عبر اعتماد ميزانيات ضخمة لتغيير الحالة المزرية التي تعيشها جدة، فإن الفساد كان سيد الموقف دائماً، حيث تتبخر الميزانيات وتبقى الحال على ما هي عليه، حتى طفحت المدينة وغرقت الشوارع وطفت جثث الأبرياء على المياه الآسنة.
قبل سنوات أحالت هيئة الرقابة والتحقيق عدداً من المسؤولين والمهندسين في الصرف الصحي إلى المحاكمة بتهمة تبديد ميزانيات مشاريع المياه والصرف الصحي في جدة، وصدرت أحكام بالسجن لخمس سنوات ضدهم، ولكن الحكم لم ينفذ لسبب أو لآخر، واليوم تعيش جدة لحظة مفصلية، فإذا لم تتم محاسبة رموز الفساد الذين تسببوا في 'كارثة الأربعاء'، فإنها ستعيش مهرجاناً سنوياً للغرق والموت وخراب البيوت!
وقد قيل في هذه المأساة الأبيات التالية:
عــشـرون ملـيـارٌ بـناء تـحتـية * يـذهب آمينٌ ثــم يـاتي زيـه
بضـمـائـرٌ والـلـهِ لـيسـت حـيـه * جـده ضحيـت من في الألفية
جـده إذا جأ الغيـثُ في العصرية * تبكي شوارِِعُها وما بيّديـّه
جــده فهـل مـن عـاقِـلٌ يـدركـها * جـده هي البـوابـةُ الغـربــية
جــده وجـده غـيـر أنّـت جـــده * أنّـت أنـيـنٌ فـائـقٌ بـدّويـــّه
إن صرّخت المدن العظام تهاوت * عـارٌ يغلـفها بــدون تـحـيه
تلك الـوجـوه القابعـاتُ ببهـوهـا * سـراقــةٌ بحمـاقــةٌ هـمجـية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق