لا يستطيع أحد أن يُقلل من هول صدمة المشاهد المأساوية التي تناقلتها الصحف ووكالات الأنباء عن كارثة جدة في يوم الثامن من ذي الحجة ؛ أطنان من الحديد والبشر طحنتها السيول وحملتها مثل الزَبَدْ وهي تهرول بها في المناطق المنكوبة بجنوب وشرق جدة، وأمواج الطوفان الثائر ارتفعت إلى ثمانية أمتار تقلب كل شيء رأساً على عقب، وساقت معها الأخضر واليابس ، وقد انتزعت أباطرة الفساد والمتعاونين معهم من فرشهم وقصورهم ولكن هل تسوقهم إلى المساءلة لكشف عورة إجرامهم إذا أثبتت اللجنة الأخيرة المُشَكلة من خادم الحرمين الشريفين جدواها وأظهرت للشعب نزاهتها وقوة دعواها!
وينبغي علينا والأمر كذلك ، الطَرقُ بيد المحاسبة والعقاب فوق هذا الحديد وهو ساخن، بمعنى أنه إذ أردنا أن نقضي على الفساد - ليس في جدة فحسب- و بؤره الذي تكشف وجهه القبيح في كارثة السيل المدمر، ينبغي علينا أن نكشف هؤلاء المفسدين وألا نغتر بمكانتهم ، ثم نحدد الأسباب التي سهلت لهم طرق هذا الإجرام، لنتمكن من محاولة الحل من الجذر، و إلا كان العمل هباءً منثورا.
وهذا بالضبط ما اشتمل عليه قرار خادم الحرمين الشريفين حيث أمر بتشكيل لجنة على أعلى مستوى يتابع الملك بنفسه سير أعمالها وترفع إليه نتائج تقاريرها، وذلك للتحقيق في أسباب هذه الفاجعة، التي وصف خادم الحرمين هول بشاعتها بقوله : إنه" من المؤسف له أن مثل هذه الأمطار بمعدلاتها هذه تسقط بشكل شبه يومي على العديد من الدول المتقدمة وغيرها ومنها ما هو أقل من المملكة في الإمكانات والقدرات ولا ينتج عنها خسائر وأضرار مفجعة على نحو ما شهدناه في محافظة جدة وهو ما آلمنا أشد الألم".
ولو صدقت النيات وصحت العزائم سيتم تحديد مسؤولية كل جهة حكومية أو أي شخص " كائناً من كان" له علاقة بهذه الكارثة، التي لو حدثت في جزر الموز بالمحيط الهندي ما ترتب عليها عشر هذه النتائج المفجعة، والتي تمثلت حتى كتابة هذه السطور وفاة 113 والبعض يؤكد أن العدد أضعاف هذا الرقم بالإضافة إلى المفقودين الذين لا يعرف أعدادهم حتى الآن إلا الله سبحانه وتعالى.. كذلك الممتلكات الـطائلة التي طمست ودمرت وأصبحت أثراً بعد عين، وليس هذا بالمستحيل ولا بالمتعذر فقد قيل : إذا صدق العزم وضح السبيل، وليتنا ندعم مبادرة المحاسبة والعقاب، ولا نكتفي بالمشاهدة والبكاء والعويل ونساهم في إمداد اللجنة التي أمر بتشكيلها خادم الحرمين بالمعلومات والمستندات والصور والبيانات، لأن التستر على الفساد من اكبر أنواع المنكر، حيث أن المنكر ليس محصوراً فقط في التبرج و الخلوة والاختلاط!!
ولا يمكن القضاء على نتائج هذه الكارثة إلا عبر التغيير في الواقع، لأن الفساد لا يكون إلا عبر أسبابه، و ما دامت الأسباب مستمرة فالمسببات أيضاً مستمرة.
فمن المحزن أن السيل حينما بدأ على استحياء ظن أن المليارات التي أنفقت في برامج الإنقاذ والتخطيط العمراني وتكديس المعدات المدنية والرافعات وخرائط شبكة تصريف المياه في انتظاره، ولكنه لم يجد أي من ذلك بل لم يجد فرق الإنقاذ تظهر له في الساعات الأولى من هذه الكارثة، مما جعلهم في نهاية المطاف رهائن في المنازل، بدون كهرباء ولا ماء ولا إضاءة طوارئ ولا مقومات سلامة ولا أمن، يقتل العشرات منهم ويجرف أطفالهم وسط صراخ الأمهات وعويل الآباء الذي أحال العيد في جدة إلى مأتم وعزاء كبير بحجم الكارثة.
وحقيقة هول الفاجعة ينبغي أن نجد لها جواباً بعد أن فضح السيل الخفايا ، فهل لو كان منزل أحداً من كبار المسئولين أو محافظ المدينة أو معالي أمين جدة أو أحد وكلائه من بين تلك الأنقاض أو أن أسرته - لا قدر الله- من بين تلك الأسر الثكلى التي لن يعوضها أي شيء عن فقد أب أو ابن أو زوجة أو طفل ابتلعه السيل، هل تظنون أن الكارثة سوف يتم التعامل معها بهذا البطء والتراخي، وهل ستمر نتائجها هكذا مرور الكرام..؟!.
إن من النتائج الكارثية التي باتت رائحتها تزكم الأنوف تضرر شبكات المياه وتلويثها بالكامل، وهو خطر بيئي وهو ما ينبغي على الجهات المعنية أخذه في الحسبان أثناء معالجة هذه الأزمة، والتأكد من سلامة ونظافة شبكة رفع المياه والخزانات العلوية في الأحياء المنكوبة وعدم تلوثها بمياه المجاري.
وإنه من الدجل أن تختزل الكارثة في جدة وحدها؛ فكل مناطق المملكة مرشحة بشكل أو بآخر لأن تضربها السيول أو حتى الزلازل – لا قدر الله- في أي وقت، ومن الدجل أيضاً الحديث فقط عن الأحياء العشوائية لأن السيل هذه المرة برهن على عدالته في توزيع الكارثة على الجميع، ومن خيانة الأمانة أن نسكت عن مشاريع أريد لها أن تتعثر وتم إيداعها رهينة الأدراج وعن سبعة مليارات لا ندري أين مصيرها !!، ونتمنى أن لا تمر هذه الكارثة إلا بدروس يعالج من خلالها الخلل في مختلف الجهات الحكومية والمجتمعية، فلقد انكشفت جدة لأنها في مجرى السيل، أما باقي المناطق فتحتاج لمن يكتشف بؤر الفساد فيها ليكشفها على حقيقتها وينقذ الناس من شرورها.
التحرير: بقلم صحف المملكة ولسان حال كتابها
هناك تعليقان (2):
للاسف لا يوجد حقوق انسان عندنا في السعودية ...حولت كذا حالة لهم وللاسف طنشوها ,,,حتى بلوتوث البنت اللي ابوها يغرقها ماتحرك ساكن ,,,مالوم الغرب لو سمونا عالم ثالث؟؟؟لاننا نشوف ارواح تموت قدامنا ولا كأن شي صار ؟؟؟آآآه بس
ان الحقوق بدأت تتضح ومين عارف !!!!!!!!!!!!
إرسال تعليق